فصل: (سورة الأنبياء: آية 18):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل في ذكر آيات الأحكام في السورة الكريمة:

قال إلكيا هراسي:
سورة الأنبياء:
قوله تعالى في سورة الأنبياء: {وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ} الآية: 78.
حكم داود بأن الشياء تسلم إلى صاحب الزرع ويقضى بها له.
وقال سليمان: تدفع إليه الغنم ليصيب من ألبانها وأصوافها حتى يعود الزرع كما كان.
وصار الحسن إلى مثل ذلك في شرعنا، إذ لم ير في شرعنا ناسخا مقطوعا به عنده.
وقال قائلون: سليمان أوحى إليه بذلك، فكان ناسخا لما قضى به داود، وهذا على قول من منع اجتهاد الأنبياء في الوقائع.
وقال آخرون: بل اجتهد داود فلم يصب الأشبه وأصابه سليمان.
وقال آخرون: بل أخطأ خطأ مغفورا له.
وقال آخرون: لا يجوز أن يكون ما حكما به مستدركا بالاجتهاد، فإن الاجتهاد مبني على أصول، وذلك لا يستدرك إلا توقيفا.
وهذا يحتمل الخلاف، فإن النظر في المصالح يجوز أن يقود إلى هذا:
وأن داود أراد جبر حق صاحب الزرع، وسليمان أراد الجمع بين الحقين.
وأبو حنيفة لا يرى الضمان أصلا على صاحب البهيمة، والشافعي يفصل بين الليل والنهار، وهو قول مالك.
والمسألة مستقصاة في أصول الفقه، ومتعلقنا منها بالآية ما ذكرناه فقط. اهـ.

.من مجازات القرآن في السورة الكريمة:

.قال ابن المثنى:

سورة الأنبياء:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ:
{وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا (3)} خرج تقدير فعل الجميع هاهنا على غير المستعمل في المنطق لأنهم يقولون في الكلام وأسروا النّجوى الذين ظلموا مجازه مجاز إضمار القوم فيه وإظهار كفايتهم فيه التي ظهرت في آخر الفعل ثم جعلوا {الَّذِينَ} صفة الَكِناية المظهرة، فكان مجازه {وأسرّ القوم الذين ظلموا النجوى} فجاءت {الَّذِينَ} صفة لهؤلاء المضمرين، لأن فعلوا ذلك في موضع فعل القوم ذلك وقال آخرون: بل قد تفعل العرب هذا فيظهرون عدد القوم في فعلهم إذا بدءوا بالفعل قال أبو عمرو الهذلي: أكلونى البراغيث بلفظ الجميع في الفعل وقد أظهر الفاعلين بعد الفعل ومجازه مجاز ما يبدأ بالمفعول قبل الفاعل لأن النجوى المفعولة جاءت قبل الذين أسروها والعرب قد تفعل ذلك وقال:
فجذّ حبل الوصل منها الواشي

و{أَسَرُّوا} من حروف الأضداد، أي أظهروا.
{أَضْغاثُ أَحْلامٍ (5)} واحدها ضغث وهو ما لم يكن له تأويل ولا تفسير، قال:
كضغث حلم غرّ منه حاله

{قَصَمْنا (11)} أهلَكِنا..
{فَلَمَا أَحَسُّوا بَأْسَنا (12)} أي لقوه ورأوه، يقال: هل أحسست فلانا، أي هل وجدته ورأيته ولقيته ويقال: هل أحسست منى ضعفا، وهل أحسست من نفسك برءا قال الشاعر:
أحسن به فهن إليه شوس

{إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (12)} أي يهربون ويسرعون ويعدون ويعجلون، والمرأة تركض ذيلها برجليها إذا مشت، أي تحرّكه قال الأعشى:
والراكضات ذيول الخزّ آونة ** والرافلات على إعجازها العجل

العجل: القرب واحدتها عجلة.
{حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيدًا خامِدِينَ (15)} مجاز الخامد مجاز الهامد كما يقال للنار إذا طفئت: خمدت النار.
والحصيد: مجازه مجاز المستأصل وهو يوصف بلفظ الواحد والاثنين والجميع من الذكر والأنثى سواء كأنه أجرى مجرى المصدر الذي يوصف به الذكر والأنثى والاثنان والجميع منه على لفظه، وفى آية أخرى: {كانَتا رَتْقًا} (21/ 30) مثله..
{لا يَسْتَحْسِرُونَ (19)} أي لا يفترون ولا يعيون ولا يملّون، ويقال: حسرت البعير.
{أَنَّ السَّماواتِ وَالأرض كانَتا رَتْقًا فَفَتَقْناهُما (30)} فالسموات جميع والأرض واحدة فخرج لفظ صفة الجميع على تقدير لفظ صفة الواحد كما ترى ولم يجىء أنّ السماوات والأرض كنّ رتقا ولا ففتقناهن، والعرب قد تفعل هذا إذا كان جميع موات أو جميع حيوان ثم أشركوا بينه وبين واحد من الموات أو من الحيوان جعلوا لفظ صفتهما أو لفظ خبرهما على لفظ الاثنين وقال الأسود بن يعفر:
أن المنيّة والحتوف كلاهما ** يوفى المخارم يرقبان سوادى

فجميع وواحد جعلهما اثنين، وقال الراعي:
أخليد إنّ أباك ضاف وساده ** همّان باتا جنبة ودخيلا

ثم جعل الاثنين جميعا فقال:
طرقا فتلك هماهمى أفريهما ** قلصا لواقح كالقسىّ وحولا

فجعل الهماهم وهى جميع واحدا وجعل الهميّن جميعا وهما اثنان وأنشدنى غالب أبو على النّفيلى للقطامى:
ألم يحزنك أن حبال قيس ** وتغلب قد تباينتا انقطاعا

فجعل حبال قيس وهى جميع وحبال تغلب وهى جميع اثنين..
{كانَتا رَتْقًا} مجازه مجاز المصدر الذي يوصف بلفظه الواحد والاثنان والجميع من المذكر والمؤنث سواء ومعنى الرّتق الذي ليس فيه ثقب ثم فتق اللّه السماء بالمطر وفتق الأرض بالشجر.
{فِجاجًا} (31) الفجاج المسالك واحدها فجّ، وقال العجّاج لحميد الأرقط: الفجاج، وتنازعا أرجوزتين على الطاء فقال له الحميد: الخلاط يا أبا الشّعثاء، فقال له العجاج. الفجاج أوسع من ذلك يا ابن أخى، أي لا تخلط أرجوزتى بأرجوزتك.
{كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)} الفلك: القطب الذي تدور به النجوم قال:
باتت تناصى الفلك الدوارا ** حتى الصباح تعمل الاقتارا

{يَسْبَحُونَ} أي يجرون، و{كُلٌّ} تقع صفته وخبره وفعله على لفظ الواحد لأن لفظه لفظ الواحد والمعنى يقع على الجميع لأن معناه معنى الجميع وكذلك كلاهما قال الشاعر:
أن المنيّة والحتوف كلاهما ** يوفى المخارم يرقبان سوادى

قال يوفى على لفظ الواحد ثم عاد إلى المعنى فجعله اثنين فقال: يرقبان سوادى، ومعنى كل المستعمل يقع أيضا على الآدميين فجاء هنا في غير جنس الآدميين والعرب قد تفعل ذلك قال النّابغة الجعدىّ:
تمزّزتها والدّيك يدعو صباحه ** إذا ما بنو نعش دنوا فتصوّبوا

وفي رواية أخرى: {لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ} (21/ 65) وفي آية أخرى: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ} (12/ 4) وفي آية أخرى.
{يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ} (27/ 18).
{خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ} (37) مجازه مجاز خلق العجل من الإنسان وهو العجلة والعرب تفعل هذا إذا كان الشيء من سبب الشيء بدءوا بالسبب، وفى آية أخرى {ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} (28/ 76).
والعصبة هي التي تنوء بالمفاتيح، ويقال: إنها لتنؤ عجيزتها، والمعنى أنها هي التي تنوء بعجيزتها، قال الأعشى:
لمحقوقة أن تستجيبى لصوته ** وأن تعلمى أن المعان موفّق

أي أن الموفّق معان. وقال الأخطل:
مثل القنافذ هدّاجون قد بلغت ** نجران أو بلغت سوآتهم هجر

وإنما السّوءة البالغة هجر، وهذا البيت مقلوب وليس بمنصوب..
{قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ} (42) مجازه: يحفظكم ويمنعكم، قال ابن هرمة:
إنّ سليمى واللّه يكلؤها ** ضنّت بشىء ما كان يرزؤها

{مِثْقالَ حَبَّةٍ} (47) مجازه وزن حبة.
{فَجَعَلَهُمْ جُذاذًا} (58) أي مستأصلين قال جرير:
بنى المهلّب جذّ اللّه دابرهم ** أمسوا رمادا فلا أصل ولا طرف

لم يبق منهم شيء ولفظ جذاذ يقع على الواحد والاثنين والجميع من المذكر والمؤنث سواء بمنزلة المصدر.. {فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ (61)} أي أظهروه تقول العرب، إذا أظهر الأمر وشهر، كان ذلك على أعين النّاس. أي بأعين الناس، ويقول بعضهم جاؤوا به على رؤوس الخلق..
{فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ} (63) فهذا من الموات وخرج مخرج الآدميين بمنزلة قوله: {رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ} (12/ 4) ويقال: سألت وسلت تسال لا يهمز فهو بلغة من قال سلته.
{ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ} (65) مجازه: قلبوا، ويقال: نكست فلانا على رأسه، إذا قهره وعلاه ونحو ذلك..
{إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً} (71) أي غنيمة، قال لبيد بن ربيعة:
للّه نافلة الأعزّ الأفضل

{وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ} (72) وكلا يقع خبره على الواحد لأن لفظه لفظ الواحد ويقع خبره على خبر الجميع.
{إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} (78) النّفش أن تدخل في زرع ليلا فتأكله وقالت: نفشت في جدّادى، الجداد من نسج الثوب تعنى الغنم..
{وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ} (80) واللبوس: السلاح كلها من درع إلى رمح وقال الهذلي:
ومعى لبوس للبئيس كأنه ** روق بجبهة ذى نعاج مجفل

{وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ} (82) {ومن} يقع على الواحد والاثنين والجميع من المذكر والمؤنث قال الفرزدق:
تعال فإن عاهدتنى لا تخوننى ** نكن مثل من يا ذئب يصطحبان

وكذلك يقع على المؤنث كقوله: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحًا} (33/ 31)، وقد يجوز أن يخرج لفظ فعل {من} على لفظ الواحد والمعنى على الجميع كقولك: من يفعل ذلك، وأنت تسأل عن الجميع.
{وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} (93) مجازه واختلفوا وتفرقوا..
{فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ} (94) أي فلا كفر لعمله، وقال:
من الناس ناس لا تنام جدودهم ** وجدّى ولا كفران للّه نائم

{يَنْسِلُونَ} (96) يعجلون في مشيهم كما ينسل الذئب ويعسل قال الجعدىّ:
عسلان الذئب أمسى قاربا ** برد الليل عليه فنسل

{حَصَبُ جَهَنَّمَ} (98) كل شيء ألقيته في نار فقد حصبتها، ويقال: حصب في الأرض أي ذهب فيها..
{لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها} (99) فهو من الموات الذي خرج مخرج الآدميين..
{لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها} أي صوتها والحسيس والحسّ واحد قال عبيد بن الأبرص:
فاشتال وارتاع من حسيسها ** وفعله يفعل المذءوب

فاشتال يعنى الثعلب رفع ذتبه.
{وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ} (103) مجازه مجاز المختصر المضمر فيه {ويقولون هذا يومكم}.
و{آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ} (109) إذا أنذرت عدوّك وأعلمته ذلك ونبذت إليه الحرب حتى تكون أنت وهو على سواء وحذر فقد آذنته على سواء. اهـ.

.قال الشريف الرضي:

ومن السورة التي يذكر فيها الأنبياء عليهم السلام:

.[سورة الأنبياء: آية 11]:

{وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوما آخَرِينَ (11)}.
قوله سبحانه: {وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً} (11) وحقيقة القصم كسر الشيء الصلب. وجعل هاهنا مستعارا للعبارة عن إهلاك الجبارين من أهل القرى أصلب ما كانوا عيدانا، وأمنع أركانا.

.[سورة الأنبياء: آية 15]:

{فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيدًا خامِدِينَ (15)}.
وقوله سبحانه: {فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيدًا خامِدِينَ} (15) وفى هذه الآية استعارتان. لأنه سبحانه جعل القوم الذين أهلكهم بعذابه بمنزلة النبات المحصود، الذي أنيم بعد قيامه، وأهمد بعد اشتطاطه واهتزازه.
والاستعارة الأخرى قوله تعالى: {خامِدِينَ} والخمود من صفات النار، كما كان الحصيد من صفات النبات. فكأنه سبحانه شبّه همود أجسامهم بعد حراكها بخمود النار بعد اشتعالها. وقد يجوز أيضا- واللّه أعلم- أن يكون المراد تشبيههم بالنبات الذي حصد ثم أحرق. فيكون ذلك أبلغ في صفتهم بالهلاك والبوار، وامّحاء المعالم والآثار. لاجتماع صفتى الحصد والإحراق. وقال سبحانه: {حَصِيدًا خامِدِينَ}. ولم يقل خامدا، كما قال تعالى: {فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ} ولم يقل خاضعة. لأنه سبحانه ردّ معنى خاضعين على أصحاب الأعناق، لا على الأعناق. وكذلك يجوز رد معنى خامدين على القوم الذين أهلكوا، لا على النبات الذي به شبّهوا.
وقيل معنى: {حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيدًا} أي سلطنا عليهم السيف يختليهم كما تختلى الزروع بالمنجل. وقد جاء في الكلام: جعله اللّه حصيد سيفك، وأسير خوفك.

.[سورة الأنبياء: آية 18]:

{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَا تَصِفُونَ (18)}.
وقوله سبحانه: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَا تَصِفُونَ} (18). وهذه استعارة. لأن حقيقة القذف من صفات الأشياء الثقيلة، التي يرجم بها، كالحجارة وغيرها. فجعل- سبحانه- إيراد الحق على الباطل بمنزلة الحجر الثقيل، الذي يرضّ ما صكّه، ويدمغ ما مسّه. ولما بدأ تعالى بذكر قذف الحق على الباطل وفىّ الاستعارة حقها، وأعطاها واجبها، فقال سبحانه: {فَيَدْمَغُهُ} ولم يقل فيذهبه ويبطله. لأن الدمغ إنما يكون عن وقوع الأشياء الثقال، وعلى طريق الغلبة والاستعلاء. فكأن الحق أصاب دماغ الباطل فأهلكه. والدماغ مقتل. ولذلك قال سبحانه من بعد: {فَإِذا هُوَ زاهِقٌ} والزاهق: الهالك.